Tuesday, October 06, 2009

قلائد للأقمار للشاعر رفيق علي قراءة أولية بنيوية

" عبد ربه محمد سالم اسليم
قطاع غزة – فلسطين
Isleem61@hotmail.com
" هل قرأت الديوان ؟ " سألني محدثي الشاعر رفيق علي في برهة انتظار أحد الأصدقاء ، بدهشة ... لا ... بينما كان يمد يده في كيس بلاستيكي أسود يحمله ممسكا بالقلائد ... " قلائد للأقمار " موسومته الشعرية الخامسة والتي صدرت قبل شهرين من انتهاء عام 2009م الموافق 1430هـ ، فقد صدرت له المجموعات التالية :-
1 – أغاني البقاء ( 1991م ) .
2 – الطوفان ( 1994م ) .
3 – النقش على الهواء ( 1999م ) .
4 – خيوط الفجر ( 2005م ) .
نلاحظ أن اسم هذه المجموعة مركب من لفظتين أنيقتين هما " قلائد " و " الأقمار " ، وقد وفق الشاعر في اختيار لفظة "قلائد " فهي التي تزين الجيد أما لفظة " الأقمار " فلها مستويين من الدلالة ، أولاهما بمعنى " الشهداء " وهذا المعنى يكثر تداوله بين شعراء المقاومة ويبالغوا في استخدامه أحيانا إلى حد الإسراف وشاعرنا لم يخرج على هذا العرف الشعري ونمطية الاستخدام ، وبذلك يصبح المعنى قلائد للشهداء ، وهذا المعنى نلحظه في عدة قصائد في المجموعة ، منها : قمر لم يسقط ص 37 وفي قوله منها " عياش " يا قمرا نار لنا الطريق ص 38 وعياش بالطبع هو البطل القسامي قائد الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس ، ومنها كذلك قصيدة : قمر يشتعل ص 79 – قمران ص 76 – السر المضنون به ص 67 المهداة إلى روح القمر الشهيد ... . ، وقصيدة فادي / لك ألف قلادة ص108 والتي يتحدث فيها عن تلميذه الشهيد فادي بقوله :
فعجلت لربك كي يرضى ..
بعظيم شهادة ..
فلك اليوم لترضى :
من أستاذك ألف قلادة .. ص 110 .
المستوى الثاني هم الأحياء الشهداء لقوله تعالى " ومنهم من ينتظر "وقد ورد هذا المعنى في قصيدة بعنوان : سلمت يداك ... مرابطا المهداة إلى المجاهدين المرابطين في أواخرها إذ يقول :
وتعيش يا قمر الثغور منارة
و على كل المنائر ص50 .
ونحن نرى أن كلا المستويين من الدلالة يتضمنه الإهداء الذين يزين المجموعة والمشتق من الآية القرآنية المشهورة " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " .
باستعراض متأني لعناوين القصائد في المجموعة نلحظ أنه على الأغلب لم يحسن اختيار عناوين قصائده فجاءت مهزوزة دون حبكة في السبك والصياغة ودون أن تشكل الفوكس ، بؤرة القصيدة التي تلم أطرافها وشتاتها ولنأخذ عينه على سبيل المثال لا الحصر طبعا :
رثاء شاعر – هو السبيل – سلمت يداك ...مرابطا – الغضب المتفجر والوصية – لوعة الفراق وحزن المشتاق – السر المضنون به – لك يا حمزة كل المجد – بطل معركة البريج – الرثاء للمرة الثانية – ولنا عودة ... وهكذا العناوين عامة ومطاطية ! .
وعلى بدء ، كانت تزين صورة الأقصى المبارك يعلوه أقمار الجهاد الإسلامي في فلسطين بدءا بالشقاقي وانتهاءا بالشهيد السعيد هاني عابد يتوسطهما من الشمال إلى اليمين صورة الشيخ الجليل عز الدين القسام يليه صورة المجاهد الفذ محمود الخواجة مؤسس قسم – الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين مع انطلاقة الانتفاضة المباركة الأولى قبل " السرايا " ، وجاء التصميم الحركي للغلاف على خلفية سماوي أزرق جميل يومئ بديمومة الحركة والحياة لهذه الأقمار السعيدة ، وفي ذيل الغلاف تبني للمجموعة من قبل حركة الجهاد ، وهنا لابد من وقفتين :
أولاهما : تبني المجموعة من قبل حركة الجهاد رسميا يقتلها جماهيرا بين الصفوة المثقفة إذ يحشرها ضمن الإصدارات الحزبية ، والمعروف أن هذه الاصدرات الحزبية لا تشد عامة المثقفين إلى ما بداخل المجموعة الشعرية ، فإما مغرض يبحث عن هفوات بقصد لي العنق بقصد قتل المجموعة وحرفها عن مضامينها الشعرية الراقية ، فنحن نرى الحزبية ستارا حديديا أمام الانفتاح الإنساني الأرحب على مستويات المجتمع المثقفة فضلا أنه سيحمل الحركة وزر الأخطاء التي يمكن قفشها في هذه المجموعة بدلا من الشاعر وبخاصة أنها أصبحت ملكا حركيا يجب أن تدافع عنه ! ...
ونحن نرى أنه يمكن أن تساهم الحركة ماليا في الاصدرات الثقافية دون تبنيها رسميا لتعطيها مجالا أرحب من القراءة المتزنة الواعية واللاحزبية بدلا من حشرها حزبيا ! ...
كثيرا من الشعراء الكبار لهم انتماءات سياسية ولكنهم دخلوا إلى البورصة الشعرية من باب أنهم مستقلين ونجحوا في جماهيريتهم وكتاباتهم تقرأ من قبل الجميع في طقس إنساني فاخر ، وخلقوا جمهورهم الأرحب إنسانيا واللاحزبي وارتقوا باحترام الجماهير لهم ! ...
ثانيا : صورة الشهداء الذين زينوا المجموعة بدءا من الشقاقي إلى عابد نلحظ فيها اختلالا رؤيويا وبنيويا في تصميم المجموعة التي يجب أن تبدأ بصورة الشيخ القسام ، فهو الرؤيوي الأول للجهاد في فلسطين في تاريخنا المعاصر ، والذي هرب من سوريا إثر فشل الثورة ضد الاستعمار الفرنسي ليواصل مشروعه الجهادي ضد بدايات المشروع الصهيوبريطاني ، والمعلم الشهيد الشقاقي أعاد اكتشاف هذه الشخصية الفذة التي شكلت رافعه تقدمية بنيويا ليشكل تنظيمه على نفس المضغة والخطى ، فشكل المداميك الأولى التي اندفعت باتجاه تفجير الانتفاضة الأولى ، ونحن نرى أن الابتداء بشخصية الشقاقي يشكل اعتداء على طهارة القسام وأبويته للجهاد على مستوى التاريخ الفلسطيني الأصيل ، فالشقاقي لم يقدم أسئلة جديدة أو إضافات ذات مغزى للمشروع القسامي الذي انطلق في الثلاثينيات من القرن الماضي – القرن العشرين ، فالقسام هو القاعدة الذهبية التي ينبثق منها الجميع بلا استثناء والتي شكلت الإجماع الفلسطيني التاريخي والمرحلي منذ اندلاع الانتفاضة الأولى في فلسطين عام 987م .
ونرى أنه لو كان التصميم البنيوي للمجموعة على اعتبار القسام والشقاقي قطبين يتوسطهما أقمار الجهاد لكان أروع وأجدر بالاحترام والتقدير ! ... أو صورة القسام تتوسط الشقاقي والياسين لكان أرقى وتجازا للنمط الحزبي الذي يبتلع الجميع في جهنمية جاهلية !! ...
هذا من ناحية بنيوية تصميمية ، أما بنيويا شعريا فنبدأ بقصائد الشهداء على الغلاف فنسجل الملاحظات الأولية التالية :
1 – لا توجد قصيدة مستقلة تتناول الشهيد محمود الخواجا الذي يزين بصورته غلاف المجموعة وإنما ورد في ثنايا قصيدة " تاج المحاميد " ص 95 التي تتناول محمود عمرة وابن الصخر محمود الزطمة ، ونحن نعتقد أنهم شهداء كبار ( لا نزكي على الله أحدا ) كل منهم يغري بقصيدة مستقلة تجلو جهاده العظيم وتنشره للأجيال لتقتدي به ، لا يعقل حشرهم معا في قصيدة لا تتجاوز 29 سطرا شعريا ، يقول في حديثه عن محمود الخواجا – قسم :
من عهد محمود الخواجا من تلا قسما فبره !
حتى طوالبة الذي أوفى بساح جنين نذره ص 95 .
وقوله في آخر القصيدة :
وإذا بمحمود غدرتم سوف محمود سواه يشفع ص 96 ، فمحمود هنا ممكن أن يكون الزطمة أو الخواجا سيان .
2 – القصيدة التي تناولت الشهيد هاني عابد جاءت مفعلة وقصيرة ولا ترقى إلى مستوى الشهيد فنيا ، فالأجيال التي ستقرأها لن تستنبط منها شيئا فلا تتضمن نكهة ولا سحر الشهيد عابد ولا بصمته المميزة في جهاده النضالي ، بل جاءت فضفاضة سطحية تخلو من العمقية الشعرية ، مجرد وداع عابر دون وقفه شعرية تأملية من الشاعر ! .
3 – القصيدة التي تناولت الشيخ العظيم القسام المعنونة بـ " أبو الثوار " فقد جاءت عبارة عن قطعة شعرية ولم ترقى إلى مستوى قصيدة فعدد أبياتها 9 أبيات تحديدا ، والإشارات التي تضمنتها جاءت عامة فلا يستطيع القارئ المثقف الولوج إلى عالم القسام الجهادي الفذ بكل اتساعه ورحابته بالرغم من أن الشيخ القسام بعمامته يقدح البرق فينا وفي نهوضنا الثوري المستمر ... فهو حاضر فينا دوما في يقظتنا ومنامنا .. ليلا ونهارا .. صقورا وحمائم ! .
4 – القصيدة التي تناولت مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ، المعلم الشقاقي فقد جاءت أطول القصائد إذ تمتد على مساحة ثلاثين بيتا بعنوان قمر المنافي والتي كتبها الشاعر تحت مشاعر اغتيال المؤسس في تاريخ 26 أكتوبر 1995م أ أي يوم الفاجعة السعيدة ! والتي صعد فيها إلى السماء مكملا مشواره الجهادي العظيم .
هذه القصيدة جاءت عامة إذ لا تحمل خصوصية الشهيد المؤسس القائد ، وتحمل نكهة عامة ممكن أن تنسحب على كثير من الشهداء في الساحة الفلسطينية لولا ذكر اسم الشقاقي ، فتحي ، بوضوح في البيت الثاني تحديدا إذ يقول :
فأوفي حق ( فتحي ) من رثاء
وحق رثائه فرض الزمان ص32
وبالتالي لا نلمس خصوصية معاشرته للشهيد الحي – فتحي بالرغم من احتكاكه به ، وجلوسه معه ، والتلقي على يديه الكريمتين الطاهرتين .
نلاحظ في هذه القصيدة ما اسميه المكر الشعري حيث أراد مديحه من باب الاساءه إلى خليفته وإلى خيل الجهاد بقوله :
وفارس خيلها والخيل باتت
بمدرجة القعود والارتهان !
أحقا قد ترجل ممتطيها
وقد هامت مسيبة العنان ؟! ص 32 .
كما نلحظ التأثر بمطلع قصيدة ألجواهري – الشاعر العراقي ، والتي قالها في الراحل الملك حسين قبيل وفاته وأمام يديه " أسعف لساني كي أقول ... " كما في مطلع هذه القصيدة في قوله :
ألا يا ليت تسعفني المعاني
وليت تنال بالليث الأماني ! ص32 .
ويعجبني قوله :
يرى حرية الأوطان فرضا
صلاة لا تؤخر عن أوان ص33 .
ولكن لم يعجبني حديثه عن الحرية الحمراء مقتبسا البيت الشعري المشهور في قوله :
وللحرية الحمراء باب
يدق بكل مخضبة البنان ص33 .
لابد من التسجيل هنا أن :
أولا : المجموعة احتوت على قصائد ضعيفة بنيويا ، منها :
1- أسد الشاطئ ( أيمن العيلة ) ص112
2- بطل معركة البريج ص97 .
3- لك يا حمزة كل المجد ص90 .
4- قمر جديد يشتعل ص79 .
ثانيا : من التعبيرات التي أعجبتني :
1 – جبل في خيمة ! ص 114 من قصيدة ( أم كامل ) أما باقي الصور التعبيرية في القصيدة فقد جاءت كلاسيكية من المستهلك في الشارع الفلسطيني الشعري .
2 – ما آخر الشهداء – عبد الله – أنت
ولا الأخيرة من تزغرد أمه جدلا ص 86 .
3 – هذا الوطن ...
أغرودة في ثغر أمك يا شهيد تقول لا
للخسف لا للذل .. لا للاحتلال ص 86 – 87 .
4 – بوريدك المذبوح يرسم شكلا
أبدا بعيدا عن مراسيم التفاوض ص 87 .
ثالثا : من التعبيرات التي لم تعجبني ولم ترق لي :
1 – ما آخر الشهداء – عبد الله –
أنت ولا الأخيرة أمه أنت ص 85 .
2 – قمران .. قمران
ليضيئا دربنا يشتعلان !
ليقيما عزنا ينهدمان ! ص 76 ،
فهو صعود نهايته سوداء ! ، والأصل الصعود الفاضل نحو الأفضل والأمل .
3 – هويا لكن صعودا .. سامقا نحو العلاء
صعدا لكن هبوطا ... ص 77 ، فالشاعر دخل في تناقض مربك ! .
رابعا : أعجبني المشهد الدرامي في قصيدة إيمان حجو الشهيدة الرضيعة في قوله :
صحت الأم على نوم ابنتها
ما زال بفمها الثدي !
ناغتها بحنان
نادتها : اصحي ( إيمان )
إيمان ..ما بالك لا تصحين ؟
ما بال الصفرة تعلو الوجه ؟
ما بال العينين زائغتان ؟
( إيمان ) ! ( إيمان ) ... ( إيمان ) !
ردي إيمان !
ردي إيمان علي !
صرخت أم الطفلة : " وي "
نادت أهل الحي :
( إيمان ) ماتت يا قوم !
قتلوها بين يدي
آه آه ! حبة عيني !
آه حبة عيني ! ص 73 .
فهو حوار درامي ساخن يحمل اللوعة وحسرة الفراق لهذه الطفلة الرضيعة ، إيمان حجو .
خامسا : تضمنت المجموعة عددا من الشعارات التي تزين الشارع الفلسطيني المجاهد والمناضل ، منها :
1 – لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة ص 87 .
2 – وتحيا فلسطين مسلمة حرة أبدا ص 29 .
3 – لا صوت على صوت الثورة يعلو ص 88 .
سادسا : وقع الشاعر في التكرار لمرتكزات أفكاره كما تتجلى في التعبيرات التالية :
1 – أسقطوك ... وردت في الصفحات : 34 ، 37 ، 99 .
2 – عجلت لربك كي ترضى وردت في الصفحات : 16 ، 41 ، 110 .
3 – هل ستجدي المراثي ؟ أم الكلمات لها حقها الأزلي وردت في الصفحات : 15 ، 19 .
4 – الحرية الحمراء ... وردت في الصفحات : 56 ، 33 .
سادسا : التأثر بالقرآن والتراث العربي الأصيل واضح بين طيات المجموعة .
سابعا : وقع الشاعر في الضروريات الشعرية وبعض المنزلقات العروضية ، وهذا يمكن تناوله في دراسة منفصلة ، مستقلة بعنوان : " قلائد للأقمار ..قراءة عروضية " ، وهذا يتطلب بحثا نوعيا آخر ! ، وسفر مع المجموعة في بحور الشعر ! .
وأخيرا ، أهنئ الشاعر ، زميلي ( رفيق علي ) على إصدار هذه المجموعة الناجحة ، وأنصح الشعراء الشباب والمثقفين بالإطلاع عليها واقتنائه ، وتقديم قراءات متعددة الدلالات حولها .
6 / 10 / 2009م

No comments: